تقدَّم الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- بخالص التهنئة إلى حجَّاج بيت الله الحرام المصريين وغير المصريين الذين مَنَّ الله عليهم وأكرمهم بالتوفيق للسفر للأراضي المقدسة، والفوز بهذه النعمة العظيمة التي تهفو قلوب الكثيرين إليها، سائلًا الله عز وجل أن يتقبل منهم حجهم، وأن يعيدهم إلى بلادهم سالمين معافين، محملين بثمرة الحج المنشودة.
جاء ذلك خلال لقائه الأسبوعي في برنامج مع المفتي مع الإعلامي شريف فؤاد على فضائية قناة الناس مضيفًا أن الحج عِبَادَة جامعة، ومنهاج سلوك إلى الله تعالى، ومنهاج حياةٍ لمن استوعب معانيه ومغازيه، وهو مقام تجديد عهد وتوبة، ومآب إلى الله تعالى ومتاب يغتسل فيه المسلم من كل أدرانه، وينسلخ فيه عن سيئات أعماله وأحواله؛ ليعود منه طاهرًا مُطَهَّرًا، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَجَّ البَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِه كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ».
وأوضح فضيلة مفتي الجمهورية أن المقصد من الحج هو تهذيب النفس الإنسانية وترقيق القلوب والقيام بالنُّسك، مؤكدًا أنه لا بدَّ لهذه الفريضة من استعداد نفسي وروحي، فضلًا عن الاستعداد المادي والجسماني، فالحاج مُقبِل على أداء رحلة أشبه ما تكون برحلة إلى الآخرة؛ لذا عليه أن يتخلَّص من التبعات ويجعل الدنيا خلف ظهره، وأن يبادر بالتوبة قبل الحج.
وعن شروط التوبة أوضح فضيلة المفتي أنه إذا كان الحق متعلقًا بالله فعليه أن يُقلع عن هذا الذنب ويندم ولا يعود إليه في المستقبل، وأن يحرص على الإنابة إلى الله والاستزادة من العبادة والطاعات، وعلى هذا النحو يَقبل اللهُ برحمتِه وفضلِه توبتَه، أمَّا إذا تعلق هذا الحق بالعباد فعليه أن يردَّ الحقوق إلى أصحابها إذا لم يترتب عليها فتن أشد، وإن عجز عن مواجهة أصحابها فعليه التبرع عنهم والدعاء لهم.
وشدَّد فضيلته على ضرورة إرجاع الحقوق لأصحابها وسداد أي ديون مستحقة عند الاستطاعة، وكذلك رد المظالم لأصحابها، وذلك في كل وقت وحين، فضلًا عن ضرورتها لمن وفَّقه الله إلى الذهاب للحج، كما ينبغي مبادرة المُقبل على الحج قبل حجِّه إلى إعطاء الحقوق لأصحابها، ومنها حقوقهم في ميراث المتوفى؛ حيث يحرم شرعًا مماطلة أحد الورثة أو تأجيلُه في قسمة الإرث دون رضا باقي الورثة، ويجب تمكين الورثة من نصيبهم؛ فكلُّ إنسان أحقُّ بماله. حيث إن الإرث ينتقل جبرًا بمجرد موت المُورث، فمنع الإنسان من التصرف فيما له يُعدُّ من قبيل الظلم المحرَّم.
وأضاف فضيلة المفتي: ويجب على المقبل على الحج ردُّ أي حقوق أو مظالم لأهلها بعينها إذا كانت باقية في يده؛ وإلا فعليه ردُّ قيمتها إذا استُهلكت أو فُقدت، فإن لم يجدهم ردَّها لورثتهم، لأن من المقرر شرعًا أن "التوبة من حقوق العباد لا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء، أما إذا ترتب على ردِّ الحقوق وإعلام أصحابها بها ضرر أكبر أو فتنة؛ فإنه يجوز أن يردَّ الحقوق إليهم دون أن يُعلمهم بفعلته، فإن عجز عن ردها لعدم معرفته بأصحاب هذه الحقوق أو لوجود حرج شديد في إعلامهم فله أن يتصدق بها عنهم".